على مشارف الانتخابات النيابية اللبنانية ، والتي ستجري ظاهريا " على الساحة اللبنانية ، بأصوات الناخبين اللبنانيين ، والتي ستكون نتائجها السياسية لبنانية الطابع، عبر تشكيل الحكومة والبيان الوزاري.لكنها في الباطن ، يخوضها ناخبون دوليون ينقسمون إلى ثلاثة أطراف ، حيث يتقابل طرفان خارجيان بمواجهة بعضهما البعض ، و ينعكسان سياسيا" عبر فريقي الموالاة والمعارضة على الساحة اللبنانية‘وطرف ثالث يقف في دائرة الحياد ، بانتظار فوز أحد الفريقين ، لاتخاذ الموقف المناسب وفق مصالحه وعلاقاته الدولية .
فالفريق الدولي الأول ، والذي يخوض الانتخابات النيابية لبنانيا" ، يمثل المشروع الأميركي وتقوده الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها الغربيين ، ويلتحق بهم ما يسمى دول الاعتدال العربي ، حيث ظهر التدخل المباشر على الساحة اللبنانية ، بعد وصول نائب الرئيس الأميركي ( بايدن ) كرئيس للمكينة الانتخابية لفريق 14 آذار والذي جمعهم في إطار عائلي وبلدي أكثر منه في الإطار الرسمي ، و ترأس الاجتماع في منزل النائبة السيادية والحرة ( نائلة معوض ) ، و أعطى تعليماته ونصائحه لهذا الفريق والوسائل الكفيلة لجذب المترددين لتأكيد فوز المولاة في الانتخابات ، لإبقاء لبنان بيد الإدارة الأميركية للتفاوض عليه مع المحور السوري والإيراني من جهة ، ولتأمين الطمأنينة والأمن للعدو الإسرائيلي ، بحيث أن الإطباق الأميركي على الساحة اللبنانية يكون عبر شبكة ثلاثية ،( أمنية وعسكرية وسياسية )، تتمثل بالسيطرة السياسية عبر الحكومة كما كان الحال في السنوات الثلاث الماضية ، وعبر الوجه الأمني المتمثل بشبكات العملاء والجواسيس لإسرائيل ، والذين تمتعوا إما بالغطاء المباشر وتسهيل التحركات ، وإما بغض الطرف عن أعمالهم المشينة .
الوجه الثالث هو القوات الدولية التي تشكل عازلا" بين المقاومة والجيش اللبناني من جهة ، والعدو الإسرائيلي لكن ضمن الأراضي اللبنانية ، وتمثل عينا" للمراقبة يستفيد منها العدو الإسرائيلي بشكل غير مباشر عبر الإختراق الأمني للقوات الدولية ، أو عبر حكومات الدول المشاركة ، بالإضافة إلى دور القوات الدولية في تقييد حركة المقاومة ميدانيا" .
ولذا فإن صندوق الإقتراع اللبناني سيحتوي ظاهريا" على أصوات الناخبين اللبنانيين ، لكنه في الحقيقة يمثل -من خلال التدخلات والتهديدات والإغراءات الأقليمية والدولية -، صندوق إقتراع دولي وأقليمي، ينتظر كل اللاعبين الدوليين والممانعين الأقليميين، نتائج فرز اصواته ، ، لتحديد صورة الشرق الأوسط الجديد ، ومستقبل المشروع الأميركي في المنطقة.
فإذا كان صندوق الإقتراع اللبناني يشكل جسرا" لعبور للمعارضة الوطنية، إلى موقع السلطة مما يعني أن فريق الممانعة الأقليمي ، قد حسم ساحة إضافية ورئيسية في الشرق الأوسط لصالحه ضمن حركة الهجوم السياسي والسيطرة الديمقراطية على السلطة دون استعمال العنف ، مما يعطي شرعية وطنية ودولية لمشروع المعارضة الحامي لنهج المقاومة ، وحفظ لبنان ضمن المشروع القومي العربي ، مما يعني إبقائه في دائرة الصراع العربي الإسرائيلي ، ومحو فكرة الحياد الإيجابي ، وبالتالي اسقاط المشروع الإسرائيلي المدعوم أميركيا" ، والذي رضخت له السلطة الفلسطينية ولا يمانعه المعتدلون العرب ، ألا وهو مشروع التوطين في لبنان ، وإذا سقط هذا المشروع لبنانيا" وتم إحياء القرار الدولي رقم ( 194 ) والذي ينص على عودة اللاجئين الفلسطينيين ، فإن مشروع الحل الظالم ، الذي يفرض على الفلسطينيين بعنوان ( حل الدولتين ) ، دولة يهودية قوية ، ودولة فلسطينية ممسوخة ومشلولة ، يكون قد أصيب بطعنة كبيرة تتمثل بعودة اللاجئين .
لذا فإن صندوق الإقتراع اللبناني يمثل المرحلة الأولى في تنمية وإحياء المشروع المقاوم ، والرافض للإملاءات الأميركية والصهيونية ، ويمثل نصرا" جديدا" بعد مرحلة الصمود العسكري والسياسي ، للإنتقال إلى مرحلة الهجوم ، تحت عنوان الدفاع عن الحقوق مما سيشكل حافزا" لقوى الممانعة الشعبية ، في الدول العربية والإسلامية ، للخروج من سباتها السياسي والفكري لتواجه الأنظمة المتخاذلة والمتواطئة ، لإجبارها إما لإعادة النظر في سلوكياتها السياسية ومواقفها ، خاصة على صعيد القضية الفلسطينية وقضيتها المركزية ، لتحرير القدس الشريف ، وأما تغيير الأنظمة ديمقراطيا" ، وبالوسائل السلمية لإعادة السلطة في الأمة إلى نصابها الصحيح ، واستنقاذ ما تبقى من هوية حضارية وإرث ثقافي وثروات وطنية.
لكن السؤال الأساس ، هل سيسمح بعض اللاعبين الدوليين ،خاصة اللاعب الأميركي ، أن تربح المعارضة الوطنية ، ويتقبلوا خسارتهم الساحة اللبنانية ، أم سيعمدون إلى تفجير نتائج الانتخابات ، أما بالأحداث والفتن الأمنية ، أو بالتعطيل السياسي عبر منع تشكيل الحكومة سريعا" وإبقاء الوضع السياسي متوترا"، لإفساح المجال أمام القلاقل الأمنية ، كما حصل مع جبهة الإنقاذ الجزائرية بعد فوزها ديمقراطيا" ، خاصة وأن حصار لبنان على الطريقة التي حوصرت فيها حماس مستحيلة ، لخصوصيات و استثنائية الساحة اللبنانية.